Friday, April 10, 2020

Death in Venice 1971

Death in Venice 1971
الجميع هربوا من فينسيا أجمل مدن العالم المدينة الفردوسية ،هناك جو من التعتيم سكان صامتون وشاحبون ،جو خانق وروائح للموت والوباء ،إشاعات عن وباء يظهر في المدينة ،حملات لتطهير المدينة التي كانت تضج بالسياح ،المدينة مريضة ومرضها سرا حتي يستمر كسب المال ،اشينباخ يحاول أن يري ماخلف الغيوم يحاول الفرار من المدينة التي سيداهمها ويميتها وباء الكوليرا ، إلا أنه يفشل و يظل عالق في فينسيا، في أماله وتعلقه بالصبي تادزيو ذلك الذي يمثل له الجمال المطلق والإلهي ،تعلق حواسه التي جعلت روحه تحيا مرة أخري تلك الروح التي تغضنت بفعل الزمن كما تغضن ووهن جسد صاحبها ،وجدت ضالتها أخيرا في إطلالة لهذا الصبي الغض الذي جعله يعود  يحترق حتي النهاية ..

شاهدت فيلم death in Venice 1971 للمخرج الأيطالي لوتشينو فيسكونتي
ثم قررت قراءة الرواية المأخوذ عنها الفيلم للكاتب الألماني توماس مان .
هذا العمل لايشبه أعمال فيسكونتي المشغولة بالمجتمع وصراع طبقاته وإنهيارها وكذلك لايتطابق مع حبكة الرواية تماما ، هذا عمل عن سقوط الفنان السقوط بالحب والجمال محاولة الفرار من الموت بالتعلق بالجمال ،
عن الموت والوحدة والعزلة ، الحزن والألم الإنساني،الأستسلام للمصير .
منذ المشاهد الأولي البطيئة والصامتة يضعك فيسكونتي في أجواء تلك الرواية المشحونة بما هو عميق ونفسي ،اعتمد فيسكونتي كثيرا علي الصورة في محاولة لنقل مشاعر البطل اليأس ،الخوف، الحيرة، التردد الذكريات،ثم حالة من الوجد والأنبهار بالجمال  حالة هي أقرب الصوفية .
هل يمكن التعبير عن هذا الولع والأفتتان بالجمال والجسد بسهولة في صورة سينمائية؟
هذا ماحاول بالفعل أن يترجمه فيسكونتي  في العمل السينمائي ،
 يضع المشاهد في حالة من التوتر   منذ  المشاهد الأولي ثم تتوالي المشاهد البطيئة والصمت
، الصمت الذي يغلب ع معظم الفيلم فالحديث يكون للضرورة فقط ،ثم الحيرة والترقب نظرا لغرابة الموضوع  ،الحب.. الشباب..الكهولة ...الحكمة الرغبة علاقة الجمال والآلم والأمل هي كلها مشاعر ملتبسة يصعب التعبير عنها  .
عمل جميل ولكنه ليس العمل الأفضل لفيسكونتي ولكن ربما هذا يعود لطبيعة الرواية التي هي بالأساس تشريحا لذهن ونفسية وهموم ذلك الفنان الذي يموت ويتداعي في صمت   .

 الرواية في الأصل لاتتعدي المئة صفحة عن الكاتب أو الشاعر غوستاف اشينباغ الذي أصبح الموسيقار في سيناريو فيسكونتي، فبسكونتي الذي كان يعرف أن العمل الأصلي أو الرواية هي بالفعل إلهام من حياة الموسيقار غوستاف ماهلر الذي عاصره توماس مان وتأثر به .
في الفيلم استخدم فيسكونتي موسيقي ماهلر بشكل ذكي ،
السيناريو والحوار الفيلم  يختلف عن الرواية  فمعروف عن فيسكونتي أنه لا يلتزم بالنص الروائي أو الأدبي منذ أعماله الأولي  فهو لايقتبس حرفيا من الرواية فأول أعماله لم يرضي عنه وهو مقتبس حرفيا من رواية ،ثم عمله اللاحق senso الذي كان في البندقية أيضا، لم يلتزم فيه بالرواية وتصرف في السيناريو وفقا لرؤيته الفنية الخاصة .
في فيلم الموت في البندقية  الموسيقار  اشينباخ الذي يذهب لفينسيا منهكا بقلب يعاني وتداعي عام في صحته في محاولة للإستجمام والراحة والتأمل في حياته ...في الفن والحياة ،
لكنه يسقط فريسة للإنبهار بجمال يري أنه مطلق وأبدي ،حب مميت يسيطر عليه تماما،حب ذلك الفتي المراهق تادزيو الذي يقضي إجازته مع أسرته البولونية في البندقية ،فيعلق في تلك المدينة مع الموت والخوف والعجز الذي كان يهرب منهم لكنه في حالة حلمية يستسلم تماما .
يمثل هذا الصبي الشباب الجمال اللذان كانا قد غادرا حياة ذلك الفنان الذي فقد زوجته وابنته .
حب روحي لايتخطي النظرات هي علاقة ربما تكون في خيال اشينباخ فقط علاقة مع ماهو جميل وبعيد ، الجلوس للبحر ومراقبة هذا الصبي الذي هو في ريعان صباه وبداية مراهقته هي متعته اليومية  ،
تتوالي بانوراما حياته في مشاهد متفرقة  و تمر أمامه كمن يستعد حقا للرحيل ،
اضطراب وارتباك عظيم  يعانيه ،روحه تعاني من وقع هذا الجمال المرعب عليها ،
صراع بين مانشأ عليه....
 الكبرياء والضمير والوقار وبين إعجابه الشديد وولعه بذلك الجمال والحنين للشباب ،فهو ماعاد يلقي بال الإ ببقاء ذلك الفتي في في البندقية .

فالشغف كالجريمة لايتوافق مع النظام الآمن ومسيرة الحياة العادية هكذا حدث نفسه اشينباخ وشعر بقليل من الرضا تجاه نفسه وولعه بهذا الشاب بل وملاحقته له ولأسرته في أزقة البندقية القذرة .
النظرات المتبادلة وإبتسامة هي كل ماحظي به اشينباغ لم يتحدث مطلقا مع هذا الصبي حتي حينما بادله ابتسامة لام نفسه ونهرها ثم عاد ليقول له في خياله فقط أحبك....
.
"الحكمة ، الصدق ، النبل الانساني ... انتهت كلها ، الان لا يوجد اي سبب يمنعك من الذهاب الي قبرك انت وموسيقاك !
لقد حققت التوازن المثالي ، الرجل والفنان امتزجوا لامسا القاع معا ، لم تكن ابدا طاهرا ، الطهر هو هدية النقاء لم يكن نتيجة مؤلمة للشيخوخة وانت عجوز ياغوستاف وفي كل العالم لا توجد قذارة مثل العجز
اذهب الي قبرك ياغوستاف انت وموسيقاك )
من قرأ الرواية سيدرك أن هذا الجزء من الحوار لم يكن موجودا بالفعل في الرواية،الفلاش باك الخاص بعلاقة الموسيقار بزوجته وابنته ،صديقه الذي دائما مايختلف معه في نقاشاته عن  الفن وطبيعته المطلقة والعبقرية وهل هي مكتسبة أم هبة ربانية ،زيارته لبيت العاهرات ...
كل تلك التفاصيل هي من إضافة فيسكونتي  في محاولة منه لجعل السيناريو مناسب للعمل السينمائي والتعبير عن ماتحتويه الرواية بالفعل من حمولة فلسفية وفكر وحوار هو في الأساس ذهني لبطل الرواية  .
يعرف اشينباخ الحقيقة أخيرا حقيقة تفشي وباء الكوليرا وتستمر المدينة في التدهور ويغادر الجميع ولكنه بعد محاولة سابقة فاشلة للفرار لايهرب يبقي ويقرر أن يحاول أن يذهب لتحذير أسرة ذلك الشاب من الوباء (الكوليرا )لكن هذا المشهد يحدث فقط في خياله لايذهب ولا يمرر يديه علي رأس تادزيو ...
يبقي ويستسلم أخيرا لموته الذي لانعرف سببه هل مات الفنان حبا أم مات بسبب الكوليرا ...
يموت اشينباخ  أمام البحر حيث يكون أخر ماتقع عليه عينيه هو تادزيو المثال للجمال الأبدي والمطلقود والكمال ،يلوح له فقط في خياله ....
"كان يبدو له الفتى الشاحب والجدير بالحب هناك خارج الشاطيء يبتسم له ويلوّح بيده وقد نزعها من على خصره، بإشارة الى الخروج والتحليق في السماء الى النهاية العظيمة الموعودة "